الهجرة الى استراليا وتجارب البحث عن عمل في مجال الفن والصحافة
انقضت الأشهر الثلاثة الأولى منذ وصولي الى استر اليا منتصف عام 1985. استمتعت خلالها بالتجول في انحاء مدينة سيدني مستكشفاً معالمها السياحية وشوارعها وازقتها وضواحيها . سيراً على الأقدام تارة أو ركوب الحافلة او القطار تارة اخرى او اذا تيسرت سيارة لصديق يصطحبنا في جولة معه.
شمرت عن ساعدي وبدأت رحلة البحث عن عمل. كان سقف التوقعات لدي في حدود المعقول . المطلوب البحث عن عمل في مجال الصحافة أو الفن المسرحي . بعد البحث والمتابعة في اعلانات الصحف الاسترالية تمكنت من اجراء الاتصالات مع بعض الفرق الفنية لمسرح الطفل وحظيت باجراء مقابلات مع المخرجين والمنتجين،الذين رحبوا باهتمامي في العمل المسرحي وامطروني بكلمات الاطراء والتشجيع . لكن يبدو أن الأمر كان مبكراً لمهاجر جديد للأنضمام الى فرق مسرح المحترفين في هذه البلاد.
كان امامي خياران اما أن اصبر حتى يأتي الفرج وأحصل على فرصة سواء كان في مجال الصحافة أوالتمثيل أو أن اسستخدم خبراتي الاجتماعية والفنية في مجال رعاية الأطفال والشباب للحصول على عمل يضمن لي مورداً مالياً ابدأ به طريقي. كان الخيار الثاني هو الأسهل ، حيث فرص العمل في هذا المجال متوفرة . وجدت عملاً في مجال رعاية الأطفال ثم انتقلت للعمل مع الشباب وعملت ايضاً مع كبار السن. تطورت خبراتي وقدراتي في هذا المجال عملياً وأكاديمياً .
خلال ذلك الوقت كنت من قراء صحيفة التلغراف العربية الصادرة في سيدني ،وتمكنت من لقاء رئيس التحرير انذاك الاستاذ أنور حرب الذي رحب بي . أطلعته على المقالات التي نشرتها الصحف الاردنية وكذلك الكتب الثلاتة التي اصدرتها . ابدى الاستاذ أنور سروره وا عجابه بماعرضته عليه ووافق على انضمامي الى كُتاب الصحيفة الغير متفرغين لأقوم بتحرير صفحة فنية ثقافية اسبوعية ، كان ذلك اواخر عام 1986.
في تلك الحقبة الزمنية كانت الصحف الورقية تحتاج إلى يوم كامل حتى تظهر طبعتها، وتصل معلوماتها إلى القارئ. كان إعداد الصفحة الفنية لصحيفة التلغراف يستغرق وقتاً وجهداً كبيراً لكنه كان ممتعاً( لم يكن في ذلك الوقت غوغل ).كنت اعتمد في مصادري على مجلة السينما والناس المصرية التي كنت مراسلها في استراليا ،وترجمة مواضيع المجلات والصحف الاسترالية التي اشتريها من جيبي ، والاستعانة بالكتب الفنية العربية الموجودة في مكتبتي الخاصة التي حملتها معي الى استراليا .كل ذلك الجهد كان بدون مكافأة مالية من الصحيفة.
صور من الصفحة الفنية في صحيفة التلغراف
مهدت الصفحة الفنية الطريق للتعريف بقدراتي الصحفية ، وساعدت في بناء شبكة تعارف واتصالات مع عدد من الصحفيين والكتاب والمهتمين بالفن والثقافة في استراليا . توقفت عن الكتابة في صحيفة التلغراف بعد نحو عام الا أنني بقيت صديقاً للصحيفة وهيئة التحرير التي تعاقبت عليها حتى اليوم .
بعد نحو ستة أشهر طلبت من رئيس التحرير منحي اجر، ولوبسيط لتغطية مصاريف المجلات والصحف التي اشتريها ، لكنه ابلغني حينها بصراحة ان الصحيفة لايمكنها دفع مكافأت او اجور ! توقفت عن الكتابة في صحيفة التلغراف ، ولكنني بقيت صديقاً للصحيفة وهيئة التحرير التي تعاقبت عليها حتى اليوم .
كنت من مستمعي البرنامج العربي لهيئة البث الخاص SBSاذاعة 2EA في سيدني و3EA من ملبورن . كانت مدة البرنامج انذاك 45 دقيقة تبث في الصباح ثم تطورت لتصبح ساعتين في اليوم .
في عام 1987أعلنت هيئة البث الخاص SBS عن وجود وظائف شاغرة لمذيعين في البرنامج العربي في راديو 2EAسيدني . تقدمت بطلبي للاذاعة وخضعت لامتحان القدرات التحريري والصوتي.لكنني لم اتمكن من الحصول على الوظيفة . علمت لاحقاً ان الاذاعة كانت تقوم باعادة هيكلة حيث تم اعادة تعيين المذيعين الذين كانوا موجودين في البرنامج الذين كان يرأسهم المذيع نبيل طنوس رحمة الله عليه. لم افقد الأمل في العمل في راديو 2EA .
في عام 1988تقدمت بطلب توظيف للمرة الثانية في راديو 2EA البرنامج العربي .وتم اجراء مقابلة من قبل لجنة التوظيف عبر الهاتف خلال زيارتي للأهل في الاردن. لم يحالفني الحظ بالحصول على الوظيفة . تم اجراء مقابلة ثانية في نوفمبر 1988. نجحت تم تعييني مذيعاً relifeأي حين الطلب لمدة ستة أشهر . تلقيت وعداً بابلاغي متى سأبدأ العمل. مضت عدة اشهر،اتصلت عدة مرات مستوضحاً . لكنني لم اتلقى أي رد ! فقدت الأمل بعدها في العمل باذاعة 2EA.
في بداية عام 1989 وصلتني رسالة من اذاعة 2EA التي تضمنت الموافقة على تعييني مذيعاً relief اي حين الطلب . تحت التدريب لمدة 6 أشهر . ذهبت لمقابلة مدير البرنامج العربي نبيل طنوس ، حيث ابلغني أن الوظيفة لم تعطى لأحد بعد وأنني الوحيد الذي استلمت رسائل كهذه، بالاضافة الى شخص اخر يعمل في الاذاعة. التقيت ايضاً المذيعة ماجدة عبود صعب وكانت مسؤولة الأخبار في البرنامج ، كما التقيت مديرقسم الأخبار في الاذاعة وجرى الحديث حول برنامج العمل . وتلقيت وعداً بابلاغي في الأسابيع المقبلة لبدء العمل . ومضت عدة اسابيع ، اتصلت بعدها مع مسؤول الأخبار ،حيث أبدى لي وجهة نظره المتضمنة أن ادارة 2EA ستقوم باعادة النظر في البرنامج العربي ووضع هيكلية جديدة له . مضت عدة اشهر لم اتلقى اي اتصال . كررت الاتصال عدة مرات. لكنني لم اتلقى أي رد ! فقدت الأمل بعدها في العمل باذاعة 2EA. التقيت لاحقاً بأحد اعضاء لجنة التوظيف وأبلغني ان مقابلتي كانت ناجحة ، لكن التقصير من الادارة في عدم الاسراع في التوظيف .
في اكتوبر 1989 حضرت مؤتمراً لبحث قضايا ومشاكل الصحافة الأثنية .عقد المؤتمر على مدى يومين في جامعة سيدني ، وكان فرصة جيدة لي للالتقاء بعدد من الاعلاميين والمهتمين بالشأن الصحفي ومعرفة مايدور حول الاعلام الأثني . وبالصدفة التقيت ايضاً بعضو اخر من اعضاء لجنة التوظيف في 2EA وأبلغني أنني بالفعل نحجت في المقابلة ، وابدى استيائه لطريقة ادارة البرنامج العربي في تلك الفترة .
الانضمام الى التلفزيون المجتمعي وانتاج برامج تثقيفية للأطفال
في منتصف عام 1988 عقدت سلسلة اجتماعات لمجموعة التلفزيوني المجتمعي في مبنىMetro TV وهو مركز تدريب وانتاج تلفزيوني خاص في ضاحية Paddington شرق سيدني، ضمت تلك الاجتماعات مجموعة من الصحفيين والكتاب والمخرجين وفني الانتاج البرامجي التلفزيوني والاذاعي وخريجي المعاهد الاعلامية وناشطين سياسيين واجتماعيين . الأهداف المشتركة التي كانت تطمح اليها تلك المجموعة هو التعبير عن وجودهم في المجتمع الاسترالي والحصول على فرصة عمل في المجال الاعلامي ، الذي كان في تلك الفترة تهيمن عليه النزعة العنصرية . السكان الأصليين ( الأبوريجنال) كانوا مهمشين في البرامج التلفزيونية وكان يتم تقديمهم على شاشة التلفزيون اما مخمورين او مشاغبين وكان عدد منتجي البرامج أو الفنيين من السكان الأصليين في محطة ABC بعدد اصابع اليد ولم يكن بمقدورهم تقديم الصورة الحقيقية لمجتمعاتهم في برامجهم بسبب وضع المحطة العراقيل لاستمراريتهم سواء كان من الناحية المالية او الاستشارية . وهذا الأمر كان ينطبق على محطة SBS اما محطات التلفزة التجارية الاسترلية التي يسيطر عليها الأنجلو ساكسون فقد كانت غائبة عن المشهد.
وافقت الحكومة الفيدرالية على منح مجموعة التلفزيون المجتمعي من خلال Metro tv ترخيصاً لاجراء بث تجريبي على قناة UHF31 لمدة ثلاثة اسابيع لاتاحة الفرصة للمجموعات المشاركة لعرض انتاجاتها للمجتمع وتطوير مهارتها كي تتمكن من الحصول على ترخيص دائم . وحددت الحكومة ثلاثة معايير لكفاءة البث العام لبرامج هذا التلفزيون المستقل وهي:
- يتم ادارة المحطة بدون تمويل حكومي فيدرالي.
- لا يسمح للمحطة بالاعتماد على الاعلانات التجارية . يسمح فقط بالاعتماد على (Sponsorship)رعاية كما هو نظام الراديو المجتمعي .
- أن لاتتناسق او لاتتشابه أو أن لاتكون برامج البث المجتمعي تكرار للبرامج التي تبثها محطتي ABC و SBS
لم تقتصر المشاركة في اجتماعات التلفزيون المجتمعي الذي تبناه Metro tv على اصحاب المواهب والخبرات من السكان الأصليين بل كانت هنالك مشاركة واسعة لمبدعين من الوان الطيف المتعدد الثقافات الذين كانوا يطمحون للحصول على فرصة لدخول مجال الاعلام وتوظيف امكاناتهم في هذا المجال والتعبير عن وجودهم في المجتمع الاسترالي .
كنت أحدالمشاركين في هذه الاجتماعات وحين تم توزيع اللجان والبرامج المنوطة بها ، وقع اختياري على برامج الأطفال وتم تكليفي بكتابة وانتاج واخراج برنامج للأطفال بالانجليزية وكان بعنوان Looking At . برنامج تعليمي تثقيفي للأطفال 5-7 سنوات . خلال هذه الفترة تعرفت على صديقي الصحفي السيرلانكي الاسترالي الدكتور Kalinga Seneveratne الذي كان يقدم على القناة التجريبية (تقرير الشؤون الدولية ) كان Kalinga بارعاً في اعداد التقارير الأخبارية وكان ايضاً يقوم باعداد وتقديم برنامج اذاعي اسبوعي بعنوان( أصوات من الجنوب )في اذاعة 2SER التابعة لجامعة UTS – سيدني .
انطلق اسبوع البث التجريبي الأول في شهر نوفمبر 1988. وبعد انقضاء الأسابيع الثلاثة للبث التجريبي وبانتظار نتائج رد الحكومة على محتوى ومضمون البرامج التي تم تقديمها وامكانية الاستمرار .
دخلت الامور في المنحنى البيروقراطي ومضت عدة اعوام ولم تتحقق الاحلام حتى عام 1993 حيث تم الترخيص الرسمي لقناة 31 بالبث المجاني في سيدني وضواحيها . ألغت هيئة البث الأسترالية ترخيص بث ، Community Television Sydney ، وأعطيت إلى Sydney TV Television المنافسة في مارس 2004. تم تمديد ترخيص القناة 31 مؤقتًا انتظارًا لجلسة محكمة فيدرالية حول هذه المسألة ، لكن المحطة توقفت في نهاية المطاف عن العمليات في منتصف ليلة 23 أبريل 2004.