شهد عام 1994 انخفاض الدعم المالي للمسرح المتعدد الثقافات . مما دفع أغلبية الفرق الى الانسحاب من المشهد المسرحي نهائياً .فيما واصلت فرق محدودة انتاج أعمالها الفنية معتمدة بشكل فردي على التمويل من مجلس الفنون الاسترالية . الا أن الحصول على الدعم لم يكن بالأمر السهل .
قدمت فرقة صفا عرضها المسرحي THE POLITICS OF BELLY DANCING تأليف بولا عبود . اخراج جين باكهام وبولا عبود . تم عرضها على مسرح The Performance Space, Redfern, Sept 1994 كما عرضت في المهرجان الوطني للمسرح الاسترالي في كانبيرا Oct 1994. شارك في التمثيل ايزابيل سكر ، اليزا شدياق ، اليسار غزال، مها هندي ، اليزابيث جبور.
في عام 1994 قدم الكاتب المسرحي أسعد عابدي اولى مسرحياته البحث عن ريتا : مسافرة في الترانزيت In Search of Rita Traveller in Transit’ a بطولة الممثلة الفلسطينية مها الموسى . اخراج دون ماموني . عُرضت المسرحية على مسرح سايد تراك – ماركفيل . بدعم من المجلس الاسترالي للفنون . تعتبر مسرحية البحث عن ريتا استمرارية للمسرح الفلسطيني المحترف في استراليا . المسرحية من اخراج دون ماموني . كانت بدايات المسرح الفلسطيني في استراليا عام 1987 في مسرحية Kin . ثم عام 1990 مسرحية Refugees . جميع المسرحيات عرضت على مسرح سايد تراك. الذي واصل تقديم أعمال مسرحية فلسطينية ، شهدت تعاوناً بين الكاتب أسعد عابدي والمخرج دون ماموني لسنوات امتدت حتى عام 2008.
انقطعت عن التمثيل المسرحي هذا العام . وأمضيت وقتي اتابع العروض المسرحية المختلفة في انحاء سيدني . كلما شاهدت عرضاً مسرحياً تعرفت على مدرسة مسرحية جديدة ، فتحت افاقاً جديدة لي . كما منحتني الفرصة للتعرف على الممثلين والاطلاع عن كثب على الانتاج المسرحي في استراليا .
كما وعدت مديرة البرنامج العربي في اس بي اس ماجدة عبود صعب نهاية عام 1993 بكتابة اسكتشات اجتماعية كوميدية هادفة . بدأت كتابة اسكتشات سباعية خِدها ايزي . قصص مستوحاة من واقع المجتمع العربي في استراليا في تسعينيات القرن الماضي .تتناول مواضيع الاسرة العربية والصراع بين الأجيال حول التربية ،العادات والتقاليد ، الزواج، العنف الأسري ،اللغة ، البطالة ،الضياع . احترام القانون و العلاقات الاجتماعية . اختزلت هذا الواقع في عائلة ابو فضول التي تتعرض لعدد من الحوادث والقضايا التي تمس حياتها الأسرية والنفسية والاجتماعية .
بعد اطلاع ماجدة على نص الاسكتشات ومناقشة الشخصيات . بدأت البحث عن ممثلين لأداء ألشخصيات .وقع اختياري على الكاتبة والاعلامية شادية الحاج جدعون للقيام بدور ام فضول حيث وافقت مشكورة .الا أن المهمة لم تكن سهلة في شخصيتي الأبن والأبنة حيث أن الأجيال التي ولدت في استراليا تتكلم خليط من العربية العامية الممزوجة بالانجليزية ولكنها لاتجيد قراءة العربية.لذلك ارتأيت كتابة حوار الأبناء بالانجليزية والعربية .
بعد توزيع الأدوار واجراء تدريبات قراءة النص تم التسجيل في استديوهات اس بي اس . استغرق التسجيل اربعة ايام . تبعها ثلاثة ايام لعمل المونتاج والمؤثرات الصوتية.
فريق التمثيل : صالح السقاف، آنا بزي ، مهندس الصوت غي جيون ، شادية الحاج جدعون، نبيل عبدالله
بعد الانتهاء من تسجيل الاسكتشات . قامت ماجدة عبود صعب باجراء العديد من المقابلات للترويج والاعلان لاذاعة الاسكتشات عام 1994 حيث لقيت صدى واسعاً واستحساناً من المستمعين .
بعد النجاح الذي حققته اسكتشات خدها ايزي. طلبت ماجدة أن اقدم طلب توظيف كمذيع/ صحفي بدوام حسب الطلب . قلت لها لقد سئمت تقديم طلبات العمل . لكنها وعدت بأن تعيد النظر في طلبي هذه المرة سيما بعد نجاحي في مقابلة عام 1988 التي كانت تعلم بها وسألت ان كنت احتفظ برسالة تعييني . قلت لها نعم مازلت احتفظ بالرسالة . احضرتها في اليوم التالي ، فما كان من ماجدة الا أن قامت باجراء اتصالاتها مع ادارة اذاعة اس بي اس و ابلغتني أنه تم تعييني في البرنامج العربي .
بدأت العمل في راديو 2EA اس بي اس البرنامج العربي بداية شهر يوليو عام 1994 . كان فريق البرنامج في سيدني يضم كل من : ماجدة عبود صعب ، ماري ميسي ، غسان نخول ، عطية ميخائيل ، حبيب شمص.
اما فريق البرنامج العربي في ملبورن 3EA يضم كل من : فاروق ياسين ، حسام شعبو ، سهيلة مرزوق ، يوسف عيسى ، ناهد ابوزيد.
بعد اسبوع من التدريب على اعداد البرنامج واجراء المقابلات واختيار الأغاني وتقديم نشرة الأخبار باشراف الزملاء والزميلات ومرافقتهم الى الاستوديو للاطلاع على طريقة تقديمهم للبرنامج والعمل سوياً مع مهندس الصوت والبث في الاستوديو . اضافة الى دورات تدريبية قصيرة للتعرف على قوانين وأنظمة العمل والواجبات والمسؤوليات للمذيعين في اس بي اس . جاء اليوم المنتظر لتقديم اول برنامج مباشر على الهواء . اذكر يومها ان ماجدة كانت معي في الاستوديو قبل انطلاق اشارة البرنامج الساعة 2 بعد الظهر. وما أن انطلقت اشارة البرنامج وبدأت بتحية المستمعين وتقديم نشرة الأخبار .حتى غادرت ماجدة الاستوديو وتركتني مع مهندس الصوت لمواصلة تقديم البرنامج . كنت مرتبكاً بعض الشيء وأقول في نفسي الله يسترنا ما نغلط !ولكنني تدبرت أمري وانتهى البرنامج في موعده الساعة 3 بعد الظهر . لملمت اشرطة (reels) مقابلات البرنامج (كان كل مذيع أومذيعة يقوم بتسجيل اللقاء الذي يتم اجرائه على شريط ويكتب عليه موضوع المقابلة ومدتها ) وحملت اسطوانات الأغاني والكاسيتات العربية وعدت الى مكتب البرنامج العربي وكان الجميع قد غادروا. اتصلت بماجدة وقلت لها أين انت ؟ قالت : انا في طريقي الى البيت . قلت تركتيني ياماجدة في الاستوديو في اول يوم عا الهوا! ضحكت وقالت : كان لازم اتركك لوحدك حتى تعتمد على حالك .
كان البرنامج العربي في ذلك الوقت يعتمد في مصادر أخباره على التقاط المحطات الأذاعة الدولية مثل بي بي سي ، صوت امريكا ، مونت كارلو. على الموجة القصيرة وماتيسر التقاطه من الاذاعات العربية .اما الأخبار المحلية فكانت بالانجليزية من غرفة اخبار اس بي اس حيث يتم ترجمتها للعربية . كان المذيع/ة يبدأء دوامه الساعة الواحدة صباحاً كي يتمكن من التقاط بث نشرات الأخبار بالعربية من الاذاعات الدولية المذكورة . في كثير من الآحيان كانت أحوال الطقس تتسبب في التشويش على التقاط الموجة الاذاعية . بعد ان يتم التقاط البث ، يبداء المذيع /ة كتابة نشرة الأخبار باليد كما يسمعها أولاً بأول أو أن يقوم بتسجيل النشرة .ثم يقوم باعادة صياغتها حسب الخط التحريري لراديو اس بي اس . اذ ان بعض العبارات والأوصاف التي تستخدم في الاذاعات الخارجية لايسمح باستخدامها في راديو اس بي اس بموجب اللوائح الداخلية (امثلة على بعض المصطلحات ) .كما كان البرنامج يعتمد على مراسلي الأخبار في كل من بيروت وعمان في البداية . ثم تطور لاحقاً بالاعتماد على مراسلين في القاهرة ، بغداد ، دمشق ، القدس ، غزة ، نيويورك وكذلك استضافة شخصيات سياسية وأكاديمية عربية .
كان العمل مع مذيعي ومذيعات البرنامج العربي في تلك الفترة ممتعاً جداً. الصداقة والمحبة والتفاني في العمل الصحفي هما المحاور الرئيسة التي تجمع الفريق .في هذه الأجواء تعلمت ومارست مهنة الصحافة . البحث عن مصادر المعلومة والخبر وعرض الرأي والرأي ألاخر وتفهم حساسية الجالية العربية تجاه بعض المواضيع والقضايا السياسية المرتبطة بالوطن الأم في ذلك الوقت ( الحرب على العراق ، الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ) ثم تلتها احداث مايسمى بالحرب على الارهاب ثم جاء الربيع العربي وما تبعه من خريف عربي أسقط الأوراق والأغصان .اضافة الى القضايا المحلية .
عملت الى جانب ماجدة عبود صعب .حيث كانت تقدم برنامجها الأسبوعي مع الآحداث اضافة الى برنامج دفاتر الأيام. تعلمت منها في برنامج مع الأحداث اسلوب الجرأة في طرح الأسئلة الصحفية في المقابلات ومواجهة الضيف مهما كانت شخصيته.
عملت الى جانب ماري ميسي . حيث كانت تقدم برنامجها الاسبوعي عالم الأسرة وبرنامج بانوراما وبرنامج الحوار المباشر ونشرات الأخبار . تعلمت منها اعداد البرامج واختيار الضيوف وديبلوماسية ادارتها للحوار والالتزام بقواعد اللغة العربية .
عملت الى جانب غسان نخول . الشخصية الاعلامية التي تتصف بالالتزام المهني والجدية في التقدديم والبحث عن مصدر الخبر والوقوف على حقيقته ومتابعته . كان يقوم باعداد وتقديم برنامجه الاسبوعي شباب ومستقبل وبرنامج من قضايا الناس ، اضافة الى نشرات الأخبار التي كان يقوم بصياغتها باسلوبه الصحفي المميز . حصل غسان نخول على ارفع جائزة صحفية في استراليا Wakley Award عام وكانت أول جائزة تفوز بها اس بي اس .
عملت الى جانب عطية ميخائيل (رحمه الله) حيث كان يقدم برنامجه الثقافي كتب في دقائق . كان يضع عصارة كتاب من مائة صفحة أو اكثر في خمس دقائق، بأسلوب ممتع وشيّق . اضافة الى لقاءآته الفنية المتميزة مع عمالقة الموسيقى والغناء في مصر والتزامه ببث اغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد المطلب وغيرهم .
ذكرت هؤلاء المبدعين لأنني عملت معهم عن قرب في بداية عملي الصحفي في سيدني . الا ان هذا لايستثني أن اذكر باقي الزملاء في تلك الفترة منهم ، حبيب شمص ، نجمة حجار، صفاء حمدان ، انيس غانم ،محمد عبد المولى الزعبي (رحمه الله) كما عملت مع هاشم الحداد ،سيلفا مزهر ، مرام اسماعيل ،هبة قصوعة ، ديالا العزة، فارس حسن ،ستيفاني عنداري بوزيد ، مي رزق . وآخرون لم تسعفني الذاكرة على استحضار اسمائهم . والزملاء في اس بي اس ملبورن فاروق ياسين ، حسام شعبو ، يوسف عيسى ، سهيلة مرزوق ، ناهد ابو زيد، انعام بركات ، ، جانيت حوراني ، حسين خلف. ايمان ريمان ، هناء ياسين، منال العاني، وسليم الفهد،علاء التميمي.
عملت على اعداد وتقديم البرامج الاجتماعية والثقافية والموسيقية منها ” مايطلبه المستمعون ” وبرنامج أغاني ومعاني ، ولقاءآت مع نجوم الطرب في ذلك الوقت منهم الفنانة اللبنانية سميرة توفيق خلال زيارتها لاستراليا عام 1994 والفنان اللبناني وليد توفيق ومجموعة من الفنانين المحليين العرب في استراليا .اضافة الى تقديم برامج الشباب والأسرة واللقاءات مع السياسيين وصناع القرار في استراليا .
الا ان البرنامج الذي بقي في ذاكرة المستمعين في تلك الفترة هو البرنامج الزراعي . الذي كان يذاع صباح كل أحد .كان المهندس أنطون حداد من أوائل المهندسين الزراعيين الذين استقطبهم البرنامج الزراعي . وانضم الى اسرة البرنامج الزراعي
د. مجدي شحاته ، د. مكرم وديع مكرم ، المهندسة عزيزة صبرا.
العمل في مؤسسة اعلامية مثل اس بي اس هو بمثابة انجاز رائع لكل صحفي طموح يسعى لاحتراف مهنة المتاعب . كان عمل المذيع في البرنامج العربي متعة برغم المتاعب والمسؤليات . مهام المذيع تتوزع بين كتابة نشرة الأخبار وتحضير اسئلة المراسلين الصحفيين والمحللين السياسيين والاقتصاديين وغيرهم من خارج استراليا ، اجراء البحث والاستقصاء عن المواضيع التي يتناولها البرنامج ، تحضير اسئلة مقابلات ضيوف البرنامج المحليين ، تشغيل أجهزة التسجيل في الاستوديو.
اما عن اجواء العمل مع باقي المذيعين من اللغات المختلفة التي كان عددها انذاك 68 لغة فقد كانت تتسم بالصداقة المبنية على الاحترام والمحبة المتبادلة. اجواء العمل في تلك الأيام اتاحت لي تكوين صداقات مع عدد من مذيعي برامج اللغات . أذكر أحد الزملاء المذيعين في البرنامج اليوناني Themi Kallos أوكلت اليه احدى وكالات التمثيل اختيار عدد من المذيعين من الناطقين بلغات غير الانجليزية للمشاركة في لقطات يتم تصويرها في استراليا للفيلم العالمي Street Fighter . قتال الشوارع وهو فيلم حركة تم إنتاجه سنة 1994 بطولة جين كلود فان دام و كايلي مينوغ .كانت أدوارنا جميعاً مذيعي نشرات أخبار بمختلف اللغات من ا على شاشات التلفزة العالمية ننقل خبراً رئيسياً عن المعركة التي يقودها بها بطل الفيلم .
الطريف في هذا الفيلم انني ظهرت في لقطة لاتتعدى 20 ثانية لكن الأجر الذي تقاضيته كان يفوق راتب شهر من عملي في اس بي اس . وبعد أٌقل من سنة تلقيت مبلغاً من المال مقابل حقوق الملكية الفكرية للفيلم ! كم تمنيت يومها لو تتكرر هذه التجربة السينمائية.
تعلمت الكثيرخلال فترة عملي في اس بي اس والتي امتدت من منتصف عام 1994 ولغاية نهاية 1996. وسيأتي الحديث لاحقاً عن عودتي مرات ومرات للعمل في راديو اس بي اس والتطور التقني الذي حدث في البرنامج العربي ومحطة اس بي اس بشكل عام والزملاءمن المذيعين والمذيعات الذين عملت معهم .